نظم قسم التاريخ بكلية الآداب جامعة عين شمس، سيمنار بعنوان: "تنصيب المـســلات في المعابد المـصــرية"، وذلك يوم الأحد ١٢ مارس ٢٠٢٣ باستراحة أعضاء هيئة التدريس، وذلك تحت رعاية أ. د. حنان كامل عميدة الكلية، وإشراف أ. د. خالد حسين رئيس قسم التاريخ، وحاضر فيها أ. د. إبراهيم مهران أستاذ تاريخ وحضارة مصر القديمة، وتناول فيها لمحة تاريخية عن تقديس المصريين في عصور ما قبل التاريخ لهذا الرمز الحجرى مدبب الرأس الذى يسمونه "بن" bn، وهو المسلة.
وفي بداية الأسرات اعتقدوا أن الشمس خرجت من هذا الحجر على شكل طائر اسمه بنو، يظهر فجرًا على شجرة مقدسة في مدينة أون، فشيدوا له معبدًا فيها، ووحد الإغريق بين طائر بنو وطائر الفونكس "مالك الحزين"، وفي المعابد الجنائزية لأهرام ملوك الأسرة الخامسة، كان حجر " بن" يرمز للمعبود رع، على شكل مسلة قصيرة وسميكة، توضع فوق قاعدة تشبه الهرم الناقص، وكانت قمة المسلة هنا تسمى bn-bn بن - بن، ومع ظهور عقيدة الشمس، استخدمت المسلات كعنصر معماري في المعابد المصرية، وأقدم مثال هو معبد الملك ني وسر رع في أبو غراب (شمال سقارة).
كما أوضح أصل الكلمة، حيث أطلق المصريون على المسلة اسم (تِخِن) وهي كلمة ظهرت في نصوص كتاب الموتى وفي نصوص هرم تتي، أول ملوك الأسرة ٦.
وذكرت المسلة في النصوص اليونانية باسم Obelisk وأسماها الأوربيون Needle، وعندما دخل العرب مصر ترجموا الكلمة اليونانية إلى مسلة (إبرة الخياطة الكبيرة).
عبارة عن عنصر معماري له أربعة أضلاع مربعة، تنتهي بقمة هرمية.
وتقوم المسلة على قاعدة مستقلة، قد يسجل عليها نص، وتزين بتماثيل القردة التي تهلل للشمس المشرقة.
كما أوضح " مهران " الغرض من إقامة المسلة والذى يتضح في أن الملوك يأمرون بنحت المسلات لكي تقام أمام الواجهة الرئيسية (الصرح)، على جانبي المدخل الرئيسي للمعبد.
كما استعرض أهمية وضع مناظر ونقوش بجوانب المسلة في تخليد اسم الملك وانتصاراته، وإن لم تحدد أحداثًا بعينها، وإنما كان المعتاد هو ذكر صفات عامة، مثلما جاء على مسلات رعمسيس الثاني من أنه قاهر البلاد الآسيوية، وهازم الأقواس التسعة.
ويرى البعض أن المسلة ترمز إلى أشعة الشمس الهابطة من السماء، وربط آخرون بين المسلة وبين المعبود رع باعتبار أن قرص الشمس (أقدم رمز للمعبود رع) قد صور على قمة مسلة، ويرى آخرون أن القمة الهرمية للمسلة تقوم بنفس الدور الذي يقوم به الهرم كمقبرة، من حيث أنه التل الأزلي الذي بدأت عليه الخليقة.
ومنذ الدولة الحديثة ظهر طقس إقامة مسلتين للمعبود مثل مسلتي حتشبسوت المصورتين على جدران المقصورة الحمراء بالكرنك، وخصصتهما لأبيها آمون، وما تزال واحدة منهما قائمة اليوم، بينما سقطت الأخرى، وتبقى جزء من قمتها بجوار البحيرة المقدسة.
كما أكد "أستاذ التاريخ المصري القديم" أن المسلات المصرية تزين ميادين وقصور عدد من عواصم العالم، منها 16 مسلة مصرية بالعاصمة الإيطالية روما وحدها، فضلًا عن ثمان مسلات أخرى، يوجد أشهرها في ميادين كبرى بعواصم كل من تركيا وفرنسا وانجلترا والنمسا والولايات المتحدة الأمريكية.
ونقلت المسلات من مصر في أوائل العصر المسيحي، وكان أولها مسلة رعمسيس الثاني المنقولة من أمام واجهة معبد الأقصر، وتزين اليوم ميدان الكونكورد في باريس، بينما كان آخرها مسلة من الجرانيت الأحمر للملك تحتمس الثالث، مقامة حاليًا في اسطنبول.
وتتكون المسلة من قطعة واحدة من الحجر الصلب، غالبًا ما يكون الجرانيت الوردي المقطوع من محاجر أسوان، فضلًا عن عدد آخر من المسلات صُنع من أحجار الجرانيت الأحمر والكوارتزيت والبازلت، وكانت قمم المسلات تصفح برقائق من الذهب الخالص أو من الإلكتروم (خليط من الذهب والفضة)، وفي أحيان قليلة النحاس أو البرونز.
كما أوضح المحاضر كيفية قطع المسـلة من الحجر، حيث تتيح المسلة الناقصة في أسوان الفرصة لدراسة مراحل اقتطاع الحجر لصنع المسلات، والمسلة متصلة بالمحجر من أسفلها، وطولها 41.75 م، ووزنها أكثر من 1000 طن.
وأشار أيضا إلى مراحل قطع المسلات من الصخر، وكيفية تنصيبها في المعابد وطريقة نقلها من المحجر وإقامتها في المعبد، وأساليب نقش النصوص والمناظر.
هناك رأي بأن صقل أسطح المسلة كان يتم في المحجر، باستثناء الضلع السفلي منها، وكانت المناظر والنصوص تسجل في المحجر، ثم توضع اللمسات النهائية في موقع التنصيب، حيث يتم معالجة أية خدوش حدثت أثناء النقل.
وهناك رأي آخر بأن المسلة تنقل إلى موقع تنصيبها خالية من النقوش، ويتم نقشها فيه.
كما ذكر أشهر المسلات القائمة حتى الآن بمصر، وهي: مسلة سنوسرت الأول في عين شمس، مسلة تحتمس الأول في معبد الكرنك، مسلة حتشبسوت في معبد الكرنك، مسلة رعمسيس الثاني أمام واجهة معبد الأقصر، مسلة رعمسيس الثاني في مدخل مطار القاهرة، مسلة رعمسيس الثاني في حديقة الأندلس بالقاهرة، مسلتا رعمسيس الثاني بالمتحف المصري، مسلة سيتي الثاني في معبد الكرنك، وأخيرًا الجزء الأسفل من مسلة رعمسيس الرابع بالمتحف المصري بالتحرير، هذا إلى جانب عدد من المسلات المحطمة والمستندة إلى الأرض في مدينة بر رعمسيس "صان الحجر".
كان قد حضر السيمنار لفيف من أعضاء هيئة التدريس بالقسم، وعدد كبير من طلاب القسم وطلاب الدراسات العليا.