أكد أ.د. خالد فهمي أستاذ اللغة العربية بجامعة المنوفية وعضو مجمع اللغة العربية أن تأمين العمق الاستراتيجي للدولة المصرية يبدأ من حماية اللغة العربية، ودراسة اللهجات للدول العربية أهم الركائز الأساسية لتحقيق القومية العربية ودعم هويتنا وتراثنا العربية، جاء ذلك خلال كلمته الافتتاحية لفاعليات الجلسة الافتتاحية بعنوان " اللغة العربية و دعم سياسات الهوية في مصر" ، ضمن فعاليات اليوم الثاني من جلسات منتدى شباب الباحثين السادس بكلية الألسن جامعة عين شمس بعنوان "الهوية الثقافية العربية في عصر العولمة"، والتي أدارها أ.د.محمد رجب الوزير أستاذ اللغة العربية بالكلية و عضو المجمع العلمي للغة العربية ، بحضور أ.د.سلوى رشاد وكيل الكلية لشئون الدراسات العليا و البحوث ، و لفيف من السادة أعضاء هيئة التدريس و الباحثين بالجامعات المصرية .
مشيرًا إلى أن كافة الدراسات اللسانية السياسية و الأدبية العربية و العالمية تؤكد أن أول خطوات ضرب العمق الاستراتيجي لأى دولة مدخلها هو الهوية من خلال اللغة التي تحمل تراثهم و عاداتهم و أفكارهم ، مستعرضًا عدد من ملخصات لكلمات أشهر الباحثين الغربيين في علوم اللسانيات التى توضح مدى اهتمام الإدارات السياسية لأى دولة بمدى تحقيق الوحدة الوطنية داخل حدودها من خلال الحفاظ على لغتها و هويتها .
كما شدد على ضرورة التعامل مع تعليم اللغات الأجنبية (اللغات للدول المعادية لثقافاتنا) لأبنائنا بما يسمى بـ "بتعليم اللغات المروضة" ، محذرا من عدم التعامل مع ثقافات الدول المعادية لدولتنا المصرية ، و لكن يجب أن يتعلموا لغات تلك البلدان بهدف تأمين عمقنا الاستراتيجي.
و تابع حديثه مشيرًا إلى أن الدولة المصرية أكدت عبر العصور المختلفة على مدى تماسكها و حفاظها عل هويتها الثقافية و الوجدانية بداية من دستور 1882 الذي جاء في مادته رقم 148 بنص ماشر يمنع كتابة جلسات أو محاضر أو قرارات مجلس النواب بغير اللغة العربية ؛ و كانت تلك أحد العلامات الفارقة التى توضح أن المصريين استشعروا بضرورة إدراج تلك المادة في الدستور بشكل غير مباشر في ظل الاحتلال بهدف الحفاظ على هويتنا المصرية ، و تابع حديثة مشيرًا إلى أن العلامة الأخرى جاءت بعد قرار المعتمد البريطاني بإلغاء اللغة العربية من التعليم و إحلال الإنجليزية بديلًا لها ؛ لينتفض مجلس النواب المصري عام 1907 أثناء ولاية سعد زغلول لرئاسة مجلس وزراء مصر ليسقط قرار المعتمد البريطاني في مصر و يعيد الأمور إلى نصابها الصحيح و استعمال اللغة العربية مرة أخري في الجهات التعليمية كلغة أساسية لا غنى عنها .
مشيرًا إلى أن صاحب فكرة إعادة تدريس اللغة العربية مرة أخري في المدارس كان الشيخ محمد بخيت شيخ الأزهر الشريف ؛ الذي أدرك أن الحفاظ على اللغة العربية و هويتنا المصرية ليس مسئولية الأزهر فقط و إنما الأمر يحتاج إلى الإدارة السياسية في البلاد بهدف الحفاظ على النسيج المصري مترابطًا مسلم و مسيحي تحت لغة عربية أصيلة .
و في دستور 1971 احتلت مادة اللغة العربية كلغة رسمية في البلاد في قلب الديباجة الرئيسية و قفزت مادة إستخدام اللغة العربية إلى المادة رقم 2 في الدستور المصري ليُرسي مبادئ نظام الدولة ، مؤكدًا على أن كافة المسارات السياسية على مستوى العالم تؤكد على أن اللغة هي الداعم الرئيسي للوحدة الوطنية ، و يتضح ذلك جليًا من خلال تجارب دولتي جنوب إفريقيا التى تختلف فيها الجنسيات و الأعراق و اللغات لم تتوحد إلا بإقرار لغة موحدة تجمع شملهم بعد سنوات من التفرق ، أيضًا دولة سويسرا المعروف عنها التعددية اللغوية لم تستطع أن توحد شعبها و تخلق وحدة وطنية لدى مواطنيها إلا بإقرار مادة موحدة و رسمية في البلاد .
كما أوضح أن المجتمع المصري مسلم و مسيحي يتعاطف مع اللغة العربية ؛ وذلك بعد أحد التجارب لمستشرقة أوروبية في مصر في أحد الكنائس بعد أحد محاضرات الوعظ قامت بإجراء استبيان استقصائي على الحضور و بعد مرور ستة أشهر قامت بالاتفاق مع الراهب أن يلقي محاضرته على المصليين في الكنيسة باللغة العربية الفصحى و قامت بإجراء نفس الاستبيان الاستقصائي على نفس المصليين ؛ فوجدت أن نسبة الرضا تخطت الـ 90% .